السبت، 5 أبريل 2008

واكي


وادي بعيد خلاب سحرني منذ سنوات .. جماله اّخد .. ممتلئ بالورود ..بعيد عن عيني .. قريب من قلبى ويحيا داخلي ، امر بجواره كل يوم لأتطلع جمال الزهور ، اسرح بمخيلتي بعيدا يوم اعطاني اول ورده وهو يقول لي انتي الورده ..

كلما نظرت الى الحديقه في هذا الوادي تعجبني ورده واحده فقط من الف ورده .. انظر اليها .. اهم لأقطفها ولكن فجاه اتذكره وهو يقول لي لك كل يوم اجمل ورده .. اتراجع سريعا كلما تخيلته يحمل لي هذه الورده ذات يوم قائله لنفسي ربما يمر بالوادي يوما ما .. ربما ينتزع لي ورده .. لا ادري ربما تكون تلك هذه الورده واكون انا اسعد الجميع .. ربما .. ربما..

كل يوم امر بالوادي لاطمئن على الورده لربما طمع بها احدهم قبل ان يراها هو ويحملها لي قبل ان يحملها هو لي .. ادخل بين الجبلين بوابه الوادي وانا مغمضه العينين خائفه ان يكون اليوم اخر يوم ارى به الورده ...

تمر الايام والاشهر والسنوات ... تمر الفصول .. يرحل خريف وياتي ربيعا .. الوقت يمر بطيئا وانا على حالي ..

يموت الورد ويذبل ووردتي صامده في وجه الريح .. تتحدى كل التغيرات المؤذيه .. ربما يكون حلمي واملي بها اقوى من الزمن ..

اسميته وادي احلامي...

ولكن .. ذات يوم بينما كنت امر بين الجبلين بوابه الوادي .. فاذا بخوف ويأس يعتريني ، لم اكد اصل الى وردتي حتى سرحت بمخيلتي بعيدا الى ان وصلت اليه وهو يرحل بعيدا عني قاتلا كل الورود بقدميه .. تاركا لي وردتي لانظر لها واموت من رؤياها مكتوفه اليدين ..

ولم يمر على تاملي لحظات فاذا بدمعه ياس لم تلبث ان تخرج حتى سمعت صوتا ينادي :

يـــــــــــــــــــــــــا ورده!!

التفت لأرى صاحب الصوت فوجدت رجلا عجوزا قبيحا مرعباعيناه تكادان تلتصقان بانفه وشفتيه من شده التجاعيد التي تملأ وجهه .. فقلت له :

انا لست ورده يا جدي .. كيف استطيع مساعدتك؟

قال بــــــــــــلا .. انتي ورده

نظرت اليه باستغراب قائله : لا يا جدي ماذا بك ..انا لست ورده انا....... ،قاطعني قبل ان اكمل حديثي وقبل ان اذكر اسمي قائلا بلا .. انتي الورده التي طال انتظارك لها واليوم فقط .. الان .. استطيع ان اقول لك انا كنزك .. كيف استطيع انا ان اسعدك؟

قلت له .. وما ادراك بموضوع الورده ؟ لا احد يعرف هذا الموضوع غير قلبى .. انا لم احكيه بعد لعقلي؟ .. فكيف تعرف انت الغريب قبل عقلي ؟؟

اعاد على الجمله قائلا .. انا كنزك في واديكي الان ، كيف استطيع ان اساعدك؟

ابتهجت وزال يأسي سريعا وقلت له اول ماخطر ببالي " هل تستطيع ان تدلني على طريق قلبه يا جدي ، فانا اريده بجواري يعطيني هو الورده دون ان اطلب منه هل تستطيع توصيل رسائلي اليه ربما يعلم ويشعر بي "؟

زمجر لي قائلا لي بصوت مدوي كاد ان يصم اذناي " انا ياسك يا حمقاء .. انا كنزك الي يحقق احلامك بقتل الورده .. الم تايأسي من قدومه اليك .. لما يأستي .. لقد اتيت على ياسك ..املك يحرقني ..انا كنزك في واديكي .. يا حمقاء .. لن يكون لك ابدا .. لن يكون .. لن يكون

تراجعت للخلف وانا اركض من الخوف من مشهد العجوز يأسي وهو يحترق وظللت اركض اركض وكلماته لا تفارق اذني " انا كنزك لا تحلمي .. لن يعطيكي اياها .. لا يشعر بك ولن يشعر"

ظللت اركض وانا اقول لا ..لا اريد كنزا .. كلما قلت لا اختفى الصوت قليلا وانا اركض الى ان وقعت على وجهي .. لم استطيع فتح عيناي من شده الخوف .. احسست جليدا يخرج من عيني ولكن فجاه اختفى الصوت نهائيا .. فتحت عيناي فاذا بي احتضن الزهره بيدي ، احسست براحه وانا اقول لنفسي سانتظر للابد .. الورده لن تذبل ابدا ، رفعت راسي ادعو ربي ان يلهمني الصبر والراحه فاذا بخيالا يظهر من بعيد احسست انه هو .. رايت نورا بين يده .. ظللت اركض نحوه ونسيت امر الزهره .. ورايت السماء وقد تلونت بلون البحيره ويسبح بها عصافير كانها من الجنه تحلق فوقنا كانها تحمينا من كل شر ..اركض انا وهو يركض الى ان وصل لي ظهر لي النور قبس من امل يخرج من اجمل باقه ورد رأتها عيناي واشمت عبيرها انفي .. سمعت منه ماأحيا روحي وانساني ماحدث منذ دقائق علمت ان ربي استجاب لي دعائي ان ابقى معه وحقق لي حلمي بامتلاك ما اجمل من الورده .. علمت اليوم ان الورده التي تسعدني هو ان يكون لي ورده ..سنوات مضت لم اعرف بها الياس وسنوات تاتي رايت فيها كل الامل ..

اخيرا بعد كل هذا .. أخذت الوادي حكمتي .. وادي احلامي كنزه يأسي ولكن وادي واقعي كنزه قلبي كنزها ان يكون هو معي.. كنزها وردتي


الثلاثاء، 1 أبريل 2008

النورس والرحيل


لم يبق في الشط المهجور غير نورس وأنا نورس ، ربما فاته السرب ورحل في الأفق إلى البعيد ، فموسم الرحيل تراءى في عينيه عبر الشفق ، فأصبح يقفز بين الصخور السوداء الحزينة كلما رأى موجه راوقها إلى صخره أخرى..
ينقر بمنقاره الذهبي ، بالكاد يجد بين الصخور نمله جائعة أيضا ، ويلتهمها وتؤلم حلقه قرصا قبل أن تموت.
وأنا هنا كمن تنفس البحر أهداني ألما جديدا ووحشه بدلا من انس كنت أرنو إليه..
هل يشبهني هذا النورس فهو وحيد مثلي ذهب أقرانه يتقافزون في الضياء إلى حيث الغيم والورد والفراشات والربيع ، لماذا تخلف هذا الجندي الأبي ، هل أهيص جناحه ، وما ذنبه فيما أل إليه حاله ، أظن قدره أن يعيش الشتاء هنا معي في شط ، ربما غمره الصقيع ذات مساء ، ولن تسمع غير أغاني الصيادين ورائحة السمك المشوي عندما تعبر مراكبهم وهم يغنون أغاني موغلة في القدم كان يغنيها الصيادون منذ ألاف السنين ، ربما هذا البحر هو الذي يقذف في أفواههم لحن الأمسيات الحزينة ، الذي يجاوبه صدى الصخور ..
وهممت أن احمل هذا النورس إلى كوخي ، غير أني احترمت حريته ، ولكن ربما يتجمد على الشط وإذا لم يطرأ من هنا ، واني له ذلك ، ومع احترامي لحريته ، وحفاظا عليها أخذته ووضعته في كفي وهو يرتجف من البرد والألم والجوع ، ورأيت في عينيه ألما وشوقا إلى الهجرة وفقدان السرب ، وهممت بوضعه في قفص ، ولكن احترمت حريته أيضا ، ووضعته أعلى القفص ن وقدمت له بعض سنابل وعشب عله يتعافى قيل موسم أخر للرحيل..
بعد عده أسابيع ، بدا يحلق قليلا مع الغروب ، ويحط رحاله على الكوخ ، وتغير صوته ، وأصبح فيه شيئا من الحنين ، ربما بسبب الفراق..
وذات يوم رأيت ابن الجيران يتسلل قرب الكوخ ويحمل(نبله) ويترصد النورس كي يصيبه في مقتل ، وأمسكت به قبل أن يطلق صاروخه القاتل نحو النورس ، واعتذر الصغير ذو الشعر الذهبي ، والعينين البراقتين وقال لي : لم اعلم بان لك نورس ، أنت فقط تربي الحمام وقلت في سري (أنا اربي الحرمان)..
وألف النورس الكوخ وأصبح يغدو ويروح وفي موسم الهجرة بدأت أسراب النوارس هجرتها نحو الجزر الدافئة ، فتغير لحن النورس وأصبح يرسل لحنا يشبه نغم الفوز الجميل.
وعندما عدت من البحر مساء اليوم التالي ، وأنا احمل صنارتي القديمة لقيني ابن الجيران وهو حزين ، ذهب النورس يا عمي ، حاولت أن أصيده وهو يلحق السرب ولكنه افلت مني وقفز ككره المضرب وعانق احد أفراد السرب في الفضاء ..قال لي هذه الكلمات وهو مطأطئ الرأس ، وسلمني خطابا جاء بالبريد للتو ، ووجدت فيه دعوه من صديق قديم يدعوني لزيارة بلد تبعد ألاف الأميال .. هي بلدي :: وأخيرا وجدت من يدعوني لزيارة بلدي وكأنها مواسم الرحيل تتزامن في شتاءات العمر قبل الجفاف ، ولكن قبل الرحيل إلى الغابة والصحراء ، سأودع البحر وصخوره السوداء ، وستوحشني وحشته عندما تأتي النوارس من الشمال في هجره أخرى هناك، في أرضي ، أرض الدفء والشوق والحنين..