
في صباحا بدا عاديا ..استيقظ جدي وكنت قد سبقته بدقائق ..لا ادري لماذا استغربته جدا حتى تصورت لوهله انه لم يكن هو جدي الذي اعرفه ..كان سعيدا قائما من فراشه كشاب في الثلاثين ..قام يدندن وهو يرتدي جلبابه قائلا لي ..تعالى يا بني اريد ان اتنزه قليلا ..قلت له اني ساكون مستعدا في دقائق !!!
ولم ثلبث دقائق معدوده الا ان كنت مع جدي ..قال لي انه يريد ان يرى البحر فكم اوحشته رؤياه ..قلت له اانت بخير ياجدي ..لقد كنا هناك بالامس وقبل الامس وقبله وقبله ..قال لي لا يابني خذني هناك ..قلت له امرك ياجدي ...ظللنا نمشي ونمشي الى ان اعتراني التعب قلت له هيا لنجلس قليلاا يا جدي ...ثم جلسنا ..ولم نكد نفعل حتى وجدته يقول لي ..انظر ..ماذا ترى هناك ..هناى في الافق البعيد ..تلك هي كانت حياتي ..
كنت مثلك ..في ريعان شبابي كانت معي دنيايا بين يدي وانا لا اراها ...اسعى وراء اشيائا لا اعرفها ..اتلذذ باشياء ليس لها طعما ..ابحث عن وهما واجري وراء السراب .... وكلما زاد عمري يوما لم اكن ابه قط ..كنت اعتقد ان يوما مجرد يوما مر وغدا سالحق بقطار الحياه ..ومر اليوم ..ورائه يوم .. وكنت كل يوما افقد شيئا لا اشعره ..فقدت ابي وامي واخوتي .. كنت انا فقط من فقدهم بحماقته . كانوا مازالو على قيد الحياه عندما كنت اعتقد اني اقوى من في الارض ابطش بكل الناس لا احد يعنين ...كنت ارى ابي شريرا ..وامي انسانه لا اغفر لها انها انجبتني لاتخبط في تلك الحياه ...لم ادرك لما انا هنا على وجه الارض وكنت ارى والدي سبب شقائي وحسرتي ..بالطبع كنت افكر بذلك دوما لاني لم اجد اضعف منهما لالومهما على حيرتي ..الضعف الذي اكتشفته حنانا يوم مافقدتهما بالفعل !!!
وبكى جدي وانخرط في البكاء .........
ثم اكمل بصوت متدهدج ..." ويوما بعد يوما كنت ارى اخوتي وهم يتساقطون من حياتي ..لطالما تمنيت ان اتخلص منهم جميعا ..وجد كل واحدا منهم حياه ..الى ان جاء يوما وقررت ان ابحث لي عن اي سبب لبقائي حيا ...الى ان التقيت بها ..شيطانه الزمان لم اكن اعرف لما احببتها !!! ولكني عرفت ولكن ..بعد فوات الاوان ..
احببتها ...وبالطبع حاربت حياتي واهلي واخوتي لاتزوجها .. باسلوبي الجهنمي اجبرت ابي على اتمام مراسم الزواج ..تزوجتها وانا اعمى ..وكنت اعتقد اني اخيرا عرفت معنى السعاده ..ولم تلبث ان يمر عل زواجنا عاما حتى رزقني الله بولد ..كان يشبهها ...
ومن هنا بدات معانتي مع الخوف !!!! ز
لا ادري لماذا كان كل يوم يمرعلى ..ويكبر ابني يوما ..يكبر خوفي سنينا ..كنت ارى نفسي فيه وانا اهين والدي واهلي ...وكانت هي الشيطانه زوجتي تزيد هذا الاحساس بالرهبه ..فقد كانت تتفق مع والدتها على ..يشنون كل يوما حربا ..ضدي ...لا ادري ماسبب كل هذا ولكن في قراره نفسي كانت صوره والدي وهو يبكي من جبروتي لم تكن تفارق مخيلتي ...
ولكن ما ألمني اكثر ان ولدي لم يكن يعاديني بل كان كلما كبر زاد حبه لي وكان يعادي امه وجدته بسبب مايفعلونه بي .....
الى ان جاء يوما ..كان كالخنجر الذي طعنني في صدري !!!!!
مات ابني ونور عينايا فجأه ...بدون مبررات ..ولا اسباب !! ...مات عندما عاهدت نفسي ان اغير حياتي واكفرعن اخطائي وذنوبي ....
مات وعادى الي الحيره واستيقظ في نفسي شبح الضياع ...."
وظل جدي يبكي ويبكي حتى تصورت ان عينيه ابيضت من شده البكاء ...وجهه كان مختبئا بين كفيه ..وفجاه ...نظر الي وربت على كتفي وتمالك انفاسه واكمل لي قصته ...
"جائني خبر وفاته كالصاعقه ..ظللت اهيم على وجهي ..مرت على اليالي ..والشهور .. والسنوات وانا هائم على وجهي لم اعد ادري من انا وشريط الذكريات لم يفارق مخيلتي لوهله ..الى ان وجدني بعض الاشخاص وقرروا وضعي في دارا للمسنين بعد ان يئسوا من معرفه من انا وماهي حكايتني ...وتلك كانت حكايتي "
وساد الصمت ...والذهول يعتريني ...فقد كان جدي "هذا الرجل الذي ارعاه دوما في دار المسنين دائم الهيام والصمت ..عاد لصمته من جديد وقد عرفت حكايته ..قال لي ان اتركه وحده ...وتركته وجلست اراقبه من بعيد ..مرت الساعات الى ان خيم الظلام وهو جالس بلا حراك لم اشأ ان ازعجه وكنت اريده ان يبقى وحده قليلا الى ان بدا يساورني الملل ويعتريني القلق وقررت ان اذهب لارجعه الى الدار...
ذهبت ...لكن للاسف .. كان الوقت قد مضى ...
وكان الاوان قد فات ....وتناثرت ورقات ذكريات جدي وابتلعها البحر ..بل كان يكان ان يلفظها من شده مرارتها ...
وتلك كانت حكايه من حكايات الزمان ...
شكر خاص لمصور تلك اللقطه الرائعه
من كتاب ذكرياتي
اسراء نجيب فرح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق